ينما يشهد الاقتصاد الرقمي العالمي نموًا متسارعًا، تؤكد الولايات المتحدة التزامها بالتقنيات الناشئة من خلال خطوة تشريعية جريئة. فقد أقدمت الولايات المتحدة على خطوة مهمة بإصدار قانون “توجيه وتأسيس الابتكار الوطني للعملات المستقرة الأمريكية” (GENIUS)، والذي يُعد أول تشريع أمريكي رئيسي ينظم العملات المستقرة. وبتوقيع الرئيس دونالد ترامب على هذا القانون، يمثل قانون GENIUS نقطة تحول في صناعة العملات الرقمية، ويعد بجعل العملات المستقرة جزءًا من النظام المالي السائد. ولكن، ما الذي يعنيه هذا القانون بالنسبة للشرق الأوسط، وخاصةً في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث يشهد الاقتصاد الرقمي تطورًا سريعًا؟
ما هو قانون GENIUS؟
يُحدد قانون GENIUS إطارًا تنظيميًا واضحًا للعملات المستقرة، مما يعالج الحاجة الملحة للرقابة في قطاع ظل يعمل ضمن منطقة قانونية رمادية لفترة طويلة. ومع صدور هذا القانون، تنضم الولايات المتحدة إلى مجموعة متزايدة من الدول التي تسعى إلى فرض إشراف وتنظيم على النظام البيئي للأصول الرقمية المتنامي بسرعة. تشمل أبرز ثلاث نقاط تنظيمية في القانون:
- يجب على الجهات المُصدِرة للعملات المستقرة دعم رموزها بأصول عالية الجودة وسائلة مثل الدولار الأمريكي أو سندات الخزينة بنسبة 1:1، لضمان الاستقرار والثقة.
- يتوجب على الجهات المُصدِرة الامتثال الصارم لقوانين مكافحة غسيل الأموال (AML) وتمويل الإرهاب، مما يعزز حماية المستهلك ويقلل من الأنشطة غير المشروعة.
- يمكن للبنوك وشركات التكنولوجيا المالية وحتى تجار التجزئة الآن إصدار عملات مستقرة بشرط الامتثال للمعايير التنظيمية، مما يفتح الباب لاستخدامها في المعاملات اليومية.
يُعد هذا التشريع انتصارًا لصناعة العملات الرقمية التي طالما طالبت بوضوح تنظيمي لتعزيز الاعتماد. وبالنسبة للشرق الأوسط، حيث تُعد التحولات الرقمية أولوية، قد يُعزز قانون GENIUS الطموحات الإقليمية لتولي الريادة في تقنيات البلوكشين والذكاء الاصطناعي.
كيف يؤثر قانون GENIUS على الشرق الأوسط؟
يحمل قانون GENIUS تأثيرات عميقة على كل من الإمارات والسعودية، ويوفر فرصًا لتسريع التحول الرقمي مع مواجهة بعض التحديات المحتملة:
- تعزيز المدفوعات الرقمية: يمكن للعملات المستقرة، بفضل انخفاض تكلفتها وسرعة تسويتها، أن تُحدث تحولًا في خدمات التحويلات والتجارة في الشرق الأوسط، حيث يشكل العمال المغتربون والتجارة العالمية محركات اقتصادية رئيسية. على سبيل المثال، قد تُخفض العملات المستقرة من التكاليف المرتفعة المرتبطة بأنظمة التحويل التقليدية، بما يتماشى مع هدف المنطقة في تعزيز الشمول المالي.
- جذب الاستثمارات العالمية: يُوفر الوضوح التنظيمي الذي يقدمه قانون GENIUS بيئة جاذبة للاستثمارات في مجال العملات الرقمية داخل الولايات المتحدة، مما قد يدفع الإمارات والسعودية إلى اعتماد أطر تنظيمية مماثلة.
في الإمارات، خاصةً دبي، يوجد إطار تنظيمي ناضج للأصول الرقمية، بما في ذلك العملات المستقرة، بقيادة هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA) التي أُنشئت بموجب قانون دبي رقم 4 لسنة 2022. كما تُشرف الهيئات التنظيمية الاتحادية مثل هيئة الأوراق المالية والسلع (SCA) ومصرف الإمارات المركزي (CBUAE) على الأنشطة داخل الدولة، بينما تمتلك المناطق المالية الحرة مثل مركز دبي المالي العالمي (DIFC) وسوق أبوظبي العالمي (ADGM) أطرًا تنظيمية خاصة بها تحت إشراف كل من سلطة دبي للخدمات المالية (DFSA) وهيئة تنظيم الخدمات المالية (FSRA) على التوالي.
يُعد قانون GENIUS أكثر من مجرد سياسة أمريكية؛ إنه محفّز لاعتماد العملات الرقمية على المستوى العالمي، ويبدو أن الشرق الأوسط مستعد للعب دور محوري. ومع اكتساب العملات المستقرة لمزيد من الشرعية، تستطيع الإمارات والسعودية الاستفادة من رؤيتهما الاستراتيجية، وقوتهما الاستثمارية، ومواردهم البشرية التقنية المتقدمة لتصبحا مراكز عالمية في مجالات Web3 والذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الطموح يعتمد على إيجاد توازن دقيق بين الابتكار والتنظيم الصارم لحماية المستهلكين وضمان الاستقرار المالي.
