في المشهد المالي العالمي المتغير باستمرار، تلعب الأحداث الجيوسياسية دورًا كبيرًا في التأثير على أسواق العملات الرقمية، مما يخلق فرصًا ومخاطر في آن واحد للمستثمرين. وتأتي المملكة العربية السعودية، من خلال رؤية 2030، في طليعة هذا التحوّل، حيث تستخدم تقنيات البلوك تشين والذكاء الاصطناعي لإعادة رسم مستقبلها الاقتصادي. وتشكل الأحداث الأخيرة في المنطقة، إلى جانب مشاريع المملكة في العقارات المرمّزة، أساسًا لتوجهات السوق.
وفي ظل هذا السياق، لا تكتفي المملكة بلعب دور المراقب، بل تُعد أحد المهندسين الرئيسيين لمستقبل التمويل الرقمي. ومن خلال أجندتها الطموحة “رؤية 2030″، تضخ المملكة استثمارات استراتيجية في مجالات البلوك تشين والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للتكنولوجيا المالية، لتقود مستقبلاً تُشكّل فيه الأصول الرقمية والأنظمة اللامركزية جوهر التحول الاقتصادي.
الصدمات الجيوسياسية وتقلبات العملات الرقمية
شهد الأسبوع الماضي أحد أوضح الأمثلة على مدى تأثر العملات الرقمية بالأحداث الجيوسياسية وما تتيحه من فرص. فمع تصاعد التوترات، تراجع سعر البيتكوين بشكل حاد إلى ما دون حاجز 100,000 دولار، مما أثار القلق على نطاق واسع. ولكن خلال ساعات فقط من إعلان وقف إطلاق النار، تفاعل السوق بإيجابية وارتفع سعر البيتكوين إلى 108,000 دولار. ويبرز هذا التحرك السريع موضوعًا متزايدًا: العملات الرقمية لم تعد مجرد أدوات للمضاربة، بل أصبحت مؤشرات على المزاج العالمي، ووسيلة تحوّط لبعض المستثمرين ضد عدم الاستقرار الإقليمي وتدهور قيمة العملات الورقية.
اتفاق العقارات المرمّزة الأخير droppRWA-RAFAL يفتح بابًا أمام سوق تريليونية، ويُظهر إمكانات البلوك تشين. كما يُعد مشروع عابر، وهو مبادرة عملة رقمية للبنوك المركزية (CBDC) بين السعودية والإمارات، خطوة مهمة نحو تحسين المدفوعات عبر الحدود، ويعكس نهج المملكة المنظّم في تبنّي التمويل الرقمي. ومع كون غالبية سكان المملكة تحت سن الثلاثين، تساهم مبادرات مثل منصة HUMAIN للبرمجة باللغة العربية في تسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، مما أدى إلى نمو 154٪ على أساس سنوي في معاملات العملات الرقمية.
يعمل البنك المركزي السعودي (ساما) وهيئة السوق المالية (CMA) على دراسة الأطر التنظيمية، مع مشاورات مرتقبة في 2025 حول هياكل الصناديق الرمزية. وتدعم عضوية المملكة في مجموعة بريكس+ وعلاقاتها مع الولايات المتحدة جهود فك الارتباط عن الدولار من خلال أنظمة قائمة على البلوك تشين.
نظرة إلى المستقبل
الزخم السعودي في مجالات العملات الرقمية والبلوك تشين والذكاء الاصطناعي ليس حدثًا معزولًا، بل جزء من سرد أوسع يعيد تشكيل النظام المالي العالمي. وتُظهر المملكة للعالم أن التحول الرقمي ليس حكرًا على الغرب. وبوصلة هذا التحول هي رؤية 2030، التي تقود المملكة نحو بناء نظام بيئي متكامل في مجال التكنولوجيا المالية يتميز بالأمان والشمولية والحداثة، بما يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
وبالنسبة لروّاد الأعمال والمستثمرين وواضعي السياسات، فهذه لحظة حافلة بالفرص. سواء في مجال العقارات المرمّزة، أو العملات الرقمية للبنوك المركزية العابرة للحدود، أو أنظمة التداول المدعومة بالذكاء الاصطناعي، فإن تقاطع الرؤية الجيوسياسية مع الابتكار التكنولوجي هو الرهان السعودي، والعائدات المحتملة قد تكون تحوّلية.
